سميرة ابراهيم الادارة العامة
عدد الرسائل : 1327 تاريخ التسجيل : 25/08/2007
| | الحلقة التاسعة من حلقات برنامج قصص القرآن 2 | |
( الحلقة العاشرة )
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كنا قد وصلنا سابقًا في قصة سيدنا موسى إلى عودته من جبل الطور محملا بالرسالة العظيمة، بعد أن كلفه الله سبحانه وتعالى بأشق تكليف عرفته البشرية بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إنصاف القرآن لموسى:
لابد وأن نذكر أن القرآن قد أنصف موسى عليه السلام؛ ذلك أن الكثير من علماء الغرب يقولون إنه لا وجود لشخصية موسى تاريخيا، ومنهم العالم فرويد الذي قال إن موسى أسطورة لا وجود لها، لأننا لم نجد على جدران المعابد في مصر ما يدعم هذه الحقيقة ولا في الأراضي التي هاجر إليها بنو إسرائيل ما يدلل تاريخيا على وجود هذه الأحداث حقيقةً. قد يسعد البعض بهذا القول قائلين "هو نبي بني إسرائيل"، لكن القرآن أمرنا ألا نفرق بين أحد من رسله، كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منهم) ذلك لعلمه بأنه سيقال - يوما ما- مثل هذا القول كما نجد أن ثلث أو ربع القرآن يروي قصة سيدنا موسى إنصافا له.
أسس حرية الشعوب:
على كل مسلم أن يستشعر الأخوة بين سيدنا موسى وسيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليهما؛ فهم إخوة في الدين، كل نبي من أنبياء الله قد وضع لبنة في صرح عال لإرضاء الله، واللبنة التي وضعها موسى عليه السلام كانت "حرية الشعوب" قبل أن تتحدث عنها دول أوروبا.
بالتأكيد كان التوحيد من أساس رسالته لكن الجزء الكبير الذي أضافه كان خاصا بحرية الشعوب، فهو يمثل أكبر قصة في مواجهة الظلم.
تذكِرة بما سبق:
سبق وذكرنا أن حياة سيدنا موسى عبارة عن مرحلتين للإعداد ومرحلتين للتنفيذ، أنهي موسى مرحلة الإعداد الأولى في مصر حتي بلغ من العمر ثلاثين عاما، تعلم فيها الكثير ثم ذهب إلى مدين في مرحلة إعداد أخرى مدتها عشر سنوات.
وفي طريق العودة، كان اللقاء عند جبل الطور لتأهيله للمهمتين؛ الأولى: مواجهة فرعون الظالم ورفع الذل عن بني إسرائيل. والثانية: إخراج بني إسرائيل من مصر.
نزول مصر:
بلغ موسى من العمر أربعين سنة، وكُلف بالرسالة وأصبح كليم الله، وعاد عليه السلام إلى مصر لكنه لم يتوجه إلى قصر فرعون بدايةً، إنما توجه إلى بيوت بني إسرائيل: بيت أمه حيث ذهب متحدثا لأخيه هارون ليصطحبه إلى أول مواجهة بينهما وبين فرعون.
قد يتساءل البعض: "ألم تزل أم موسى على قيد الحياة؟" الإجابة لا بد وأن تكون "نعم" أو لم يعدها الله وعدين؟ عند مولده كما ذُكر في قوله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص:7). فقد تحقق الوعد الأول بعد يوم حين رُدَّ إليها، فكان لا بد من أن يتحقق الثاني فتراه من المرسلين. فلنتخيل تلك الأم العظيمة وهي ساجدة لله تحمده على تحقيق وعوده، فالله يعد ويستجيب الدعاء ولكنه يقبض ويبسط، فقد يتحقق الوعد سريعا وقد يطول الانتظار لتحقيقه.
التوجه إلى قصر فرعون:
تحدث موسى إلى أخيه حول أمر مواجهة فرعون حيث المهمة التي كٌلفا بها بأن يتحدثا إلى فرعون بألا إله إلا الله، وأن يطلبا منه أن يمنح بني إسرائل حرية الخروج بدلاً من الحبس والذل الذي يفرضه عليهم.
توجه الأخوان الأعزلان بشجاعة إلى قصر فرعون، بعد أن غاب موسى عن هذا القصر عشر سنوات، هرب فيها من حادثة القتل التي كانت قد وقعت قبل تلك السنوات حيث توجها بأمر من الله: "إذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" (طه:43)، فقد تجبر فرعون وتجاوز كل الحدود وادعى الربوبية، وعلى الرغم من ذلك تستكمل الآيات بقوله تعالى: "فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه:44)، فما أعظم رحمة الله تعالى إذ يأمرهما بالقول اللين لجبارٍ عاص، بل وليتيح له باب التوبة والمغفرة إن تذكر وخشي، وفي ذلك قال أحد العلماء: "إن كانت رحمة الله بمن قال أنا ربكم الأعلى واسعة على هذا القدر، فكيف برحمته بمن قال لا إله إلا الله؟!". فالحمد الله الذي يطمئننا بهذه الآية ليس هذا فحسب، بل يبدو في هذه الآية أدب الإسلام حتى مع الأعداء والظالمين حيث علمنا النبي في خطابه إلى هرقل ملك الروم أن نُنزل الناس منازلهم، حين قال: (إلى هرقل، عظيم الروم) للأسف نجد بعض الناس من المتحمسين إلى الحق يسب الآخر وينسى هذه الآية، بل وينسى قول الله تعالى: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ" (آل عمران:159). لعل قول هارون الرشيد فيه حكمة، حين جاءه رجل قائلا: "جئت لأعظك وأشُد عليك في الموعظة، فرد هارون الرشيد قائلاً: "ولِمَ تشُد عليَ في الموعظة؟ أنت لست بخير من موسى وأنا لست بأسوأ من فرعون".
ولعل التساؤل الذي يدور في الأذهان هو: لماذا أرسل الله موسى إلى فرعون؟ لما لم يرسله قائلاً إذهب لبني إسرائيل؟ في حين إن محمد صلى الله عليه وسلم حين جلس مع رؤساء القوم عاتبه الله عن عبوسه في وجه غيرهم: "عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى" (عبس:1 إلى6)، لكن الأمر هنا مختلف؛ فقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أناس أحرار كل منهم حر في قراره، لذلك بُعث إلى عامة الناس، أما بنو إسرائيل في مصر فقد كانوا تحت ذل فرعون الذي لم يجعل لهم قيمة من فرط ذله فيهم، وبذلك لا جدوى من الحديث إليهم. | |
|
السبت سبتمبر 05, 2009 7:37 am من طرف سميرة ابراهيم