الله -جل وعلا- أنزله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل خبره قبل ذلك، وأما ما لم يثبت، فهذه الآية تحتمل أن يكون قد جاء، ويحتمل أن يكون معناها استفهام، المقصود به لفت الانتباه إلى هذه الآيات.
فالعبد يتأمل كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يستطيع أن يحصي من أسماء الله -جل وعلا- تسعة وتسعين اسما، وما هذه الأسماء إلا دليلا على عظمة المسمى بها، وهو الله -جل وعلا-، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أيضا لما كان معظم كانت له أسماء كثيرة.
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ أي: أن أصحاب هذه الوجوه يوم القيامة يعذبهم الله -جل وعلا- في نار جهنم بالعمل الشاق، ويتعبون في ذلك اليوم تعبا عظيما، كما قال -جل وعلا- سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا وقال -جل وعلا-: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ذكر بعض العلماء أن "صعودا" هذا اسم لجبل في النار يكلف الكافر يوم القيامة أن يصعده، وما يستطيع صعوده، والشاهد أنه الذي دلت عليه آية المدثر وآية الجن، أنه يوم القيامة يكلف بالأعمال الشاقة.
ثم قال -جل وعلا-: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ الضريع: هو نوع من أنواع النباتات كان معروفا في الحجاز، ويسمى الشبرِق، هذا الشبرِق إذا يبس يسمى ضريعا، فلا تنتفع به الدواب بعد ذلك، ولا ينتفع به، وهكذا أعد الله -عز وجل- للكفار يوم القيامة، أعد الله -جل وعلا- طعاما لا ينتفعون به، كما قال -تعالى- بعد ذلك لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ لأن الطعام يؤكل من أجل أن يتقوى به الإنسان في جسده، ويؤكل من أجل سد الجوع، وأما هذا الطعام يوم القيامة، فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، فهو زيادة في عذابهم.
ثم قال -جل وعلا-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ وهذه وجوه المؤمنين يوم القيامة ناعمة، هي معنى قوله -جل وعلا-: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ لما كان المؤمنون ينعمون في الآخرة، فإن هذا النعيم يظهر أثره على وجوههم، والكفار لما كانوا يعذبون في النار، وكان هذا الأثر يظهر على وجوههم عبر الله -جل وعلا- بالوجوه.
ثم قال -جل وعلا-: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ يعني: أن هذه الوجوه لعملها الذي عملته في الدنيا راضية؛ لأن الله -جل وعلا- جازها عليه أحسن الجزاء.
ثم قال -جل وعلا-: فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ يعني: في جنة عالية في مكانها، وفي صفاتها، وما أعد الله -جل وعلا- لأهلها فيها من النعيم المقيم لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً يعني: أن المؤمنين الذين في الجنة، لا يسمعون كلمة لاغية، واللغو في الكلام هو الكلام الذي لا فائدة منه، بل لا يسمعون إلا كلاما حقا له فائدة.
ثم قال -جل وعلا-: فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ السرر: جمع سرير، والمعنى أن هذه السرر مرفوعة، وهم متكئون على هذه السرر، كما قال الله -جل وعلا-: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ فقوله -جل وعلا-: مَوْضُونَةٍ قال بعض العلماء: أي أن الله -جل وعلا- شبك… جعل هذه السرر مشبكة بعضها ببعض، وهذا التشبيك من ذهب، ثم إن الله -جل وعلا- يجعل أهلها متكئين عليها متقابلين، لا يعطي أحد منهم قفاه للآخر، وذلك من فضل الله -جل وعلا- عليهم.
ثم قال -جل وعلا-: وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ الأكواب: جمع كوب، وهو عبارة عن الكأس الذي ليس له عروة، الذي له عروة… الإناء الذي له عروة يسمى قدحا، والقدح الذي ليس له عروة يسمى كوبا، وقوله -جل وعلا-: مَوْضُوعَةٌ يعني: أن الله -جل وعلا- يسر هؤلاء الخدم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، فيضعونها بين أيديهم يشربون منها متى ما اشتهوا لذلك.
ثم قال -جل وعلا-: وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة، فذكر الله -جل وعلا- أن هذه النمارق في الجنة تكون مصفوفة.
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ والزرابي: هي البسط، يعني: أن الله -جل وعلا- بث في هذه الجنة بسطا كثيرة متفرقة في أنحائها، يتنعم بها عباد الله المؤمنون.
ثم قال -جل وعلا-: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ لما ذكر الله -جل وعلا- قيام الساعة وما أعده للمؤمنين، وما أعده للكافرين لفت الله -جل وعلا- انتباه الكفار، واستفهمهم من أجل أن يلتفتوا إلى هذه الآيات التي جعلها الله -جل وعلا- في كونه؛ ليوحدوا الله -جل وعلا- ويوقنوا بلقائه وبالبعث والنشور.
فهذه الآيات التي جعلها الله -جل وعلا- ينتفع بها المؤمنون، وينظرون بها، ويستدلون بها على وحدانية الله وقدرته، وعلى بعث الخلائق إليه.
قال -جل وعلا-: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ والإبل خلق من مخلوقات الله وبهيمة من بهائم الأنعام، وفيها من عجائب صنع الله وقدرته، شيء عظيم لو تأمله العبد، وأبصر به لعلم أن هذه الإبل لا تمشي في هذا الكون إلا بإذن الله -جل وعلا- وأن هذا الخلق من لدنه -جل وعلا- وهذه الإبل مع كبرها وقوتها إلا أن الله -جل وعلا- سخرها لبني آدم يمسكها الطفل الصغير، فتنقاد معه، ثم إن الله -جل وعلا- جعل فيها منافع عظيمة للعباد كثيرة، كما نبه -جل وعلا- على ذلك في مواضع كثيرة، ومن أعظمها أن الله -جل وعلا- جعلها لعباده تحمل أثقالهم في أسفارهم، كما قال -تعالى-: وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ؛ ولهذا كان العرب، أو بعض العرب في الجاهلية يسمي الإبل سفينة البر، كما أن السفينة المعتادة سفينة البحر، ولله -جل وعلا- فيما خلق آيات.
ثم قال -جل وعلا-: وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ أي إلى هذه الجبال كيف نصبها الله -جل وعلا- وجعلها ساكنة في نفسها، مسكنة لهذه الأرض، أوتادا لها، كما مر بيانه فيما سبق.
ثم قال -جل وعلا-: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أي ألا ينظر العباد إلى هذه الأرض كيف سطحها -جل وعلا- لينتفع بها العباد؟ وهذه السطحية للأرض لا تنافي أن تكون الأرض بيضاوية الشكل، أو أن تكون الأرض كرية الشكل؛ لأن كرية الأرض مما أجمع عليه العلماء قديما وحديثا، وأجمع عليه علماء المسلمين سابقا، ولكن الجِرم إذا كان كبيرا، فإنه يكون له سطح، فالإنسان… كلما صغرت الكرة كلما صغر سطحها، وكلما عظمت هذه الكرة، كلما توسع سطحها، وهذه الأرض هي كرية الشكل، أو بيضاوية الشكل، ولكنها لعظمها وكبرها صار ما عليها سطحا كسطح البيت، يسكن عليه العباد، وينتفعون به، وهذا آية عظيمة من آيات الله، جل وعلا.
ثم قال -جل وعلا-: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ هذا أمر من الله -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يذكر العباد، ثم بين -جل وعلا- وظيفته، وأنه - صلى الله عليه وسلم- مذكر، وليس بمسلط على العباد يكرههم، ويجبرهم على الإسلام، وهذا كان في بادئ الأمر، ثم نسخه الله -جل وعلا- بآيات السيف التي فيها الأمر بقتال المشركين.
السبت أكتوبر 11, 2008 12:08 am من طرف سميرة ابراهيم