سميرة ابراهيم الادارة العامة
عدد الرسائل : 1327 تاريخ التسجيل : 25/08/2007
| | شعراء التحليق الحر ..د. جاسم حسين الخالدي | |
شعراء التحليق الحر
د. جاسم حسين الخالدي
في الألف الماضي، في تسعينيات قرنه الأخير وهنا في بغداد تحديداً تجول شعراء كثيرون على أرصفة متشعبة، قدر لهم أن يروا بأجسادهم مالم يره الآخرون بعيونهم،
شعراء خرجوا على القصيدة القديمة واطرها المحدودة، ففضوا عنهم القوالب الجاهزة فراحوا يكتبون عوالمهم كما يرونها عوالم متضادة في ما بينها ومتداخلة أيضاً تتصافح وفي احايين كثيرة تتبادل الطعنات، انه الاختلاف والتعدد في الرؤى والطرح، اختلاف في المضامين، وفي الاشكال لم يكن بالاستطاعة حصر النماذج كلها تحت باب واحد أو نافذة واحدة، كانت نوعاً من التحليق الحر في اتجاهات تقوده حتميات متعددة لغايات متضاربة، كل يجسد ما يرى ولأنهم كانوا يقيمون في عوالم متعددة، عوالم تصوراتهم الفردية جاءت تجسيداتهم متباينة على الرغم من انها بوتقة حضارية واحدة تعاني اضطهاداً واحداً، لكن بألم متشعب وادراك مخالف ثمة من كان الاضطهاد يلامس جلده، وبعض يلامس نخاعه أو يستقر في عظامه. كما ان الانحدار السريع للطرق الجاهزة والمعبدة وفشل الاطاريح الكبرى في الصمود امام تيارات القوى الكامنة للانسان من المعنى وعاجزة، وفشل الاطاريح الكبرى في العمود أمام تيارات القوى الكامنة للانسان وتحركات التاريخ، جعلت البنى الفكرية السابقة تبدو مفرغة تماماً من المعنى وعاجزة عن الوقوف والانتصاب بعد ان تقوضت اعمدتها الفقرية وتساقطت اوراقها قبل أوانها، ما دفع الشعراء التسعينيين الى الابتعاد عن الأدلجة او التحام غير مبرر برؤى ميتة كنوع من الانجاز الجماعي، كما لو أن الانسان غير قادر أن يعي بأن العالم لايمكن ان تحكمه رؤية واحدة أو نمط واحد من الحياة دون غير بما لو أن صاعقة نزلت على الوجود الانساني ليعي صرخة نيتشة (الحقيقة شكل من اشكال الخطأ) وبين ابتعاد والتحام تصعلكت الرؤى التسعينية لتعطي اشكالاً ومضامين لا يمكن الا ان تشير الى الاختلاف والتعدد، الاختلاف فيما بينها أولاً: وكذلك عما سبقها من رؤى وتجارب كتابية، فمن السذاجة، اذن حصر انماط الكتابة التسعينية في قالب واحد واطار واحد، كما ان وجود الشعراء جميعاً في خيمة واحدة، ليس اشارة الى اتجاه واحد والا لكانت الارض جميعاً واقعاً لرؤى واحدة، واتجاهات لا يمكن الا ان تتطابق، فلا شرق ولا غرب وهذا هو الجهل بعينه، الجهل الذي لم يعنه النفري بقوله: (افرح من العلم، تخرج عن الجهل).
عن جريدة الصباح المغربية | |
|